Pages

    Thursday 14 November 2013

    وجهة نظر تحتمل الخطأ ... ولما لا الصواب



    عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : "جاء رجلٌ إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال : يا رسول الله، من أحق الناس بحسن صحابتي؟، قال: (أمك) ، قال: ثم من؟ قال : (أمك) ، قال: ثم من؟ قال : (أمك) ، قال: ثم من؟ قال : (أبوك) متفق عليه .
    من خلال هذا الحديث نجد أن رسول الله ص قد انزل الام مكانة عظيمة و قد قدمها على الاب بثلاث مراتب و هذا حين قال للرجل أمك ثم امك ثم امك و هذا ان ذل على شئ انما يدل على المكانة الشريفة و الجليلة التي أودعها الله تعالى للأم .
    يقول الشاعر حافظ إبراهيم:
    الأم مــدرسـة إذا أعــددتـهـــا       أعـددت شعبا طيب الأعــراق
    الأم روض إن تعهــده الحيـــا    بالـــريّ أورق أيمـــا إيــــراق

    الأم أستــاذ الأساتــذة الألــــى     شغلت مآثرهم مدى الآفـــــاق

    من هذا المنطلق قررت ان اتكلم في موضوع يعتبر حساس و خاصة  لدى بعض الاشخاص و لكن لا خيار املكه فهذا هو الحال الذي يعيشه العديد من الناس.
    أنها مشكلة الاخلاق ،فحالنا المعاش هذه الأيام يعكس لنا أخلاق غريبة قد استحدثت في مجتمعاتنا ، فأبائنا و اجدادُنا لم يعيشوها ولم يسمعوا بها أبدا ، و من خلال المقدمة المتواضعة التي طرحتها راودتني العديد من الاسئلة.
    فيا ترى هل الفساد الحاصل في المجتمع سببه الام؟ أو هل يمكن القول بأن الام هي الحجر الاساسي في حياتنا؟ هل ياترى أن كل ما يحدث من أخلاق في مجتمعاتنا هو سببه عدم تمكن الام من التربية السليمة لهذا الجيل؟ و قبل أن نجيب عن هذه الأسئلة سنأخدكم في جولة صغيرة عبر الحضارة الغابرة.
    لقد سجل لنا التاريخ مواقف أكثر من رائعة صنعت فيها الام رجال مهدوا لحضارات وأسسوا مناهج سليمة أصبحت تتبع اليوم و ومن الامثلة التي تراودني الان هي أم الامام أحمد حيث يروى بأن الإمام أحمد بن حنبل رضي الله تعالى عنه قال :
    كانت أمي توقظني قبل صلاة الفجر وتسخن لي الماء ، وأنا ابن عشر سنوات، ثم كانت تذهب بي إلى المسجد ؛ لأن المسجد بعيد، ولأن الطريق مظلمة


    ومن خلال بحثي أيضا وجدت مثالا أكثر من رائع للأمام الشافعي رضي الله عنه ، فقد حكى الأمام الشافعي عن أمة أنها شهدت عند قاضي مكة هي و امرأة أخرى ، فأراد أن يفرق بينهما امتحاناً لهما ، فقالت له أم الشافعي : ليس لك ذلك لأن الله تعالى قال [ لأَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا اُلأُخرَى]البقرة : 282 هذه أم الشافعي ، فكيف بابنها؟ أم الشافعي ، إنها حقاً أم عظيمه ، سجل التاريخ موقفها و كلامها ، يوم أن ذهبت مع ابنها إلي مكة و قالت : يا بُني مات أبوك ، وإننا فقراء ، وليس لنا مال ، و إني لن أتزوج من أجلك ، وقد نذرتك للعلم ، لعل الله يجمع بك شمل هذه الامة. أرسلت الأم ابنها النجيب إلي الكتاب ليتعلم القراءة و الكتابة ، و يحفظ القرآن و يجيد التجويد . في البداية يهمله المعلم لفقره ، و لأنه لا يدفع ثمن تعليمه . ذهب الشافعي إلى أمه حزينا يبكي و يقول لها : لا أرغب في الذهاب إلى ذلك الكتاب . فقالت له أمه : يابني اذهب و تحايل للعلم .

    سألها : كيف ؟

    قالت : إذا وجدت المعلم يعلم أبناء الأغنياء فاجلس بجوار الغني ، و استمع دون أن تشعر المعلم بأنك تضيق عليه . يقول الشافعي : ففعلتها مرة و اثنين و ثلاثا ، أدخل بأدب فلا يشعر بي المعلم ، وأستمع له حتي أجدت ما يقوله ، فكان المعلم إذا قام ، أحل محله و أشرح لهم ، فيأتونني ويقولون : يا شافعي اشرح لنا هذه .
    و كان عمره خمس سنوات ، فيأتي المعلم فينظر فيجده يعلم التلاميذ .

    ووجد المعلم أن المنطقة المشتركة أصبحت موجودة ، فهذا الفتي يساعده في تعليم الأولاد و يتيح له بعض الراحة مقابل أنه لا يأخذ منه مالاً مقابل تعليمه.

    يروي الشافعيّ لنا نشأته فيقول : [ كنت يتيماً في حجر أمّي و لم يكن لها ما تعطيني للمعلّم ، وقد رضي منّي أن أقوم على الصبيان إذا غاب و أخفّف عنه ، و حفظت القرآن و أنا ابن سبع سنين ، و حفظت الموطّأ و أنا ابن عشر ، ولما ختمت القرآن دخلت المسجد فكنت أجالس العلماء و أحفظ الحديث أو المسألة و كان منزلنا في شعب الحيف ، ما كنت أجد ما أشتري به القراطيس فكنت آخذ العظم و أكتب فيه و أستوهب الظهورأي الرسائل المكتوبة – و أكتب في ظهرها].

    وروي الربيع بن سليمان أنّ الشافعي رحمه الله كان يفتي و له خمس عشرة سنة وقد أجازه مسلم بن خالد الزغبي مفتي مكّة و عالمها ، حيث قال له :

    يقول الشافعي : فعدت إلى أمي أقول لها : يا أماه تعلمت الذل للعلم و الأدب للمعلم .

    قبل أن يذهب الشافعي لمقابلة محمد بن الحسن أستاذ مدرسة العراق و تلميذ أبي حنيفة اشترى بكل ما يملك من مال (50ديناراً) كل كتب أبيِ حنيفة و محمد بن الحسن و قرأها حتي يستعد لذلك اللقاء. عندما ذهب إلى الصحراء ليعيش فيها أربع سنوات مع قبيلة هذيل، فقالت له أمه: يا بني إنك ستبقي هناك سنوات ، و إني أخشى عليك أن تسأم، ولذلك أوصيك بالرياضة ، حتى لا تسأم ، و حتي لا تختلف عن أقرانك.

    يقول فلما ذهبت كان همي في أمرين : الرمي و تعلم العلم ، فحفظت عشرة آلاف بيت من الشعر ، وكنت في الرمي أصيب الأهداف جميعاً. قام الشافعي بتأليف 140 كتاباً ، منها كتاب عنوانه : رياضة الرمي

     قال العلماء : كان الشافعي يكلمنا بلغة تقول ما أعظم هذه اللغة إنها تستعصي علينا ، فإذا جلس إلى العامة في درسه أو كتب في كتابه قام بتبسيط اللغة لكي يفهمها الناس ،وكان الشباب في مصر يحبون الشافعي كثيراَ ، لأنه يلعب الرياضة. قيل للشافعي : يا عبد الله قال النبي ، كذا و كذا ، فما قولك أنت؟

    فغضب الشافعي غضباً شديداً وقال : سبحان الله ؛ أتراني خارجاً من كنيسة؟ أتري على و سطي زناراً ؟ تقول لي : قال رسول الله وما قولك أنت ؟ ما أقول إلا قول رسول الله .
    وذات يوم خرج الشافعي في أحد أسفاره ضمن قافلة ، و إذا بقطاع الطريق قد خرجوا عليها يريدون من فيها ، فسألوا كل واحد منها عما معهم من مال و متاع ، فأنكروا أن يكون معهم شئ ، وعندما حان الدور بسؤال الشافعي قال لهم : إن معي مالاً ثم أخرجه من جعبته ، فتعجب قائد اللصوص من مسلكه وفعله ، و قال له أيها الفتي ما الذي حملك علي فعلك فقد كنت من الممكن أن تنجو بمالك ؟
    فقال له الشافعي لقد عاهدت أمي علي الصدق و وفاء لعهدها صدقتكم القول و الحديث . فقال قائد اللصوص متعجباً : أمك غائبة و تحفظ عهدها ! ثم أعلن توبته و قال له : إن عهد الله أولى بالوفاء ، و أمر من معه برد ما نهبوه من القافلة إلى أهلها .
    و هكذا أثمرت التربية الحسنة قوة في الرأي و ثباتاً في الحق ، و صلابة في الشدة فأخرجت الشافعي فتى شاباً يافعاً يحفظ العهد و الوفاء لأمه حاضرة و غائبة ، ويترجم بمسلكه عن صلاح التربية في الصغر فكانت مثالاً و عنواناً للإنسان في الكبر ، و لا غرابة في ذلك فإن أم الشافعي هي التي مرنته علي التربية و آدابها ، كما و هبته للعلم و دروسه حيث كانت تعيش في مكة و أرسلت الشافعي ليتلقى العلم و دروسه بين يدي إمام دار الهجرة مالك بن أنس في المدينة
    ومماجاء في الاثر عن أم الامام الشافعي أنه من شدة فقره لم يكن يملك الورق ليكتب عليه .. ذهب إلى أمه يشتكي..فقالت له لا عليك يا بني..وذهبت به إلى ديوان الملك حيث يقوم المدون بكاتبة ما يريد ثم يرمي الورق .. فكانت تاخذ الورق المرمي و تحضره لإبنها ليكتب عليه من الخلف ..و قد كانت أمه إذا يتصدقون عليها الأغنياء تطلب أن يتصدقوا عليها بالورق.
    أعلموا أن الامثلة كثيرة و القصص عديدة  فيما يتحدث عن عظمة الام و كيف صنعت رجالا وما ذكرنا القليل الا لنذل على الكثير.
    أنه ومن خلال وجهة نظري المحدودة أقول أنه وراء كل رجلا عظيم أم عظيمة وليس كما ينتشر بيننا أنه وراء كل رجل عظيم زوجة عظيمة وهذا لأن الرجل هو من يصنع الزوجة و ليس العكس ولكن على الرغم من كل هذا لا يمكن ان ننكر فضل الزوجة.
    إن الام هي مدرسة الحياة وفلسفة الوجود و أجمل مخلوق وأحسن صديق و أفضل صاحبة ولو خيرونا بكنوز  الدنيا ما فرطة في شعرة منك يا أمي
    أعلم ان السبب الرئيسي وراء هذا التراجع الغريب و التقهقر الظاهر للمجتمعات راجع بدرجة أولى الى الأم ، لأنها هي من التي تملك القدرة على صهر واذابة حديد القلوب و تكسير صلابتها و الغوص بين ظلمتها و انتزاع سوادها و اظهار بياضها ، وقادرة على صناعة العقول و ترجمة المكبوة و اظهار محاسن الأمور
    وأعلم أيضا أنه  لو سألوك  من هو أعظم مخلوق في هذه الدنيا  يضحي بحياته من أجلك فلا تقول أنه ذلك الجندي الانتحاري أو رجل الحماية الدي يدفع بنفسه من أجلك أو ذلك الطيار او الجندي على الحدود كل هذه أجوبة خاطأ و انما الجواب الصحيح هو الام
    نعم أنها الأم ، تلك المخلوق الرقيق الجميل الذي جعل الله الجنة تحت أقدامها و جعلَ  اصلاح المجتمع يتم من خلالها أولاٌ، لانهُ كما قلنا و مازلنا نقول أنه المدرسة الاولى
    و لكن المصيبة التي ارتعشُ من التكلم فيها هي اذا كانت الأم أصلا ليست صالحة فماذا سيكون حال المجتمع؟
    الجواب سيجرح العديد منكم و لكن كما قلت مثل هذه الامور يجب أن نتكلم فيها و ان نعمل على اثارتها حتى نداوي المجتمع .
    الجواب يكمن في داخلكم، لهذا  فلينظر كل واحد منكم الى الواقع المعاش لينظر الى الأخلاق ، الى المعاملات ، الى الاقرب فالاقرب وليجيب نفسه بنفسه  ، و لكن لا يجب أن ننسى أن هناك أقليةً قد أختفت بين الحشود وهي الأن تقترب من الظهور، وأعلموا أن تلك الأقلية هي من ستحدث التغيير أنشاء الله.



    كتابة : عامر شافع

    0 comments: